خلفية تشريع قانون حماية المستأجر
يُعتبر هذا القانون تطوراً لتشريع انتدابي من ثلاثينيات القرن الماضي، والذي جاء نتيجة لتغيرين عالميين هامين: أولاً، أدت الحروب العالمية (الأولى والثانية) إلى توقف بناء العقارات السكنية والتجارية؛ وفي الوقت نفسه، بدأت هجرة واسعة النطاق من المهاجرين الجدد إلى إسرائيل. ونتيجة لذلك، زاد عدد السكان عن عدد المساكن، مما أدى إلى أزمة سكنية حادة.
وقد استغل مالكو العقارات هذه الفرصة. فقد استغلوا الفجوة بين العرض والطلب ورفعوا أسعار عقاراتهم بشكل كبير، وتعاملوا معها بيد من حديد. أما من لم يستطع تحمل ارتفاع أسعار الشقق، فوجد نفسه يُرحّل من شقة إلى أخرى بسهولة.
وقد سعت الإدارة البريطانية التي كانت تحكم البلاد آنذاك إلى القضاء على هذه الظاهرة، فشرعت “فَرقُدَةِ مُلَّاكِ الْبُيُوتِ وَالْمُسْتَأْجِرِينَ (إِخْراجٌ مِنَ الدِّيارِ وَتَقْيِيدُ أُجْرَةِ الدِّيارِ)، 1934“. ويُعبّر اسم الفرقودة عن مضمونها. فمُحورها الأساسي هو الحد من قدرة المالك على إخراج المستأجر من العقار؛ وتحديد أُجرة الدِّيار التي يمكن تحصيلها من المستأجرين.
فعلى سبيل المثال، ينص المادة 4(1) من الفرقودة على أنه “لا تُصدر أي محكمة أو قاضي أو موظف تنفيذ الأحكام حُكماً أو أمراً بإخراج مستأجر من مسكنه على الرغم من انتهاء مدة إيجاره”، إلا في ظروف خاصة (مثل عدم دفع الإيجار؛ أو مخالفة شروط عقد الإيجار؛ أو إلحاق ضرر متعمد بالمسكن؛ وما إلى ذلك). أما بشأن أُجرة الدِّيار، فقد كُرِّسَ فصل كامِل لِتحديد الحد الأقصى للإيجار وفقاً لنوع العقار.
وبعد قيام دولة إسرائيل، ورث المشرّع الإسرائيلي هذه الفرقودة، حتى أصبحت نصاً قانونياً إسرائيلياً. بدأت بـ قانون حماية المستأجر، 1954 وانتهت بـ”قانون حماية المستأجر [نصّ مُدمَج]، 1972“.
أهمّ بنود قانون حماية المستأجر ولماذا يحرص المُؤجِّرون على التنويه بأنه لا ينطبق؟
أولاً، وضع القانون قائمة بالمستأجرين الذين يُعتبرون محميين. فعلى سبيل المثال، المستأجر الذي: دفع مبلغاً مقابل الحصول على حق الإيجار؛ أو لم يدفع مبلغاً مقابل حق الإيجار لكنه استأجر المسكن قبل عام 1940؛ أو كان يحق له الاحتفاظ بالعقار حتى 20.8.1968 ولم يُذكر في عقد الإيجار صراحةً أنه لا ينطبق عليه القانون؛ أو استأجر المسكن بعد 20.8.1968 لكن تم تحديد في عقد الإيجار أن القانون ينطبق عليه؛ أو “مستأجر متواصل” – أي، أحد أفراد عائلة ورث حقوق المستأجر المحمي الأصلي؛ وما إلى ذلك. في الوقت الحاضر، يكاد لا يوجد مستأجرون محميون “أصليون”، بل غالبًا مستأجرون متواصلون.
ثانياً، وعلى غرار قوانينه السابقة، يحد قانون حماية المستأجر من قدرة مالك العقار على إخلاء من يُعتبر مستأجراً محميًا. فالقانون ينص على أنه، بغض النظر عن أي شرط تعاقدي آخر، لا يمكن إخلاء مستأجر محمي من العقار إلا في حالة وقوع أحد الأحداث المذكورة في المادة 131 من القانون. مثلًا: إذا لم يدفع المستأجر الإيجار؛ أو لم يلتزم المستأجر بشروط عقد الإيجار التي تُشكل سببًا لإخلائه؛ أو أحدث ضررًا جسيمًا للعقار عمدًا من خلال نفسه أو من خلال الآخرين؛ أو اعتاد على مضايقة جيرانه كـ”أسلوب حياة”؛ وما إلى ذلك. إنَّ قيود إخلاء المستأجر المحمي شديدة الصرامة. حتى مالك العقار الذي يرغب في إخلاء المستأجر من أجل حاجاته الشخصية، ملزم بإبلاغ المستأجر خطيًا برغبته في توفير سكن بديل له. كما يُحدد القانون سقفًا لأُجرة الدِّيار التي يمكن تحصيلها من المستأجر في مسكنه أو محل عمله، وفقًا لخصائص العقار.
من الواضح هنا لماذا يكاد يُشير جميع عقود الإيجار إلى أن قانون حماية المستأجر لا ينطبق على بنوده. لأن المستأجر المحمي يتمتع بحقوق إضافية لا يتمتع بها المستأجر “العادي”. ويرغب المُؤجِّرون في إزالة أي شك بأن حقوق المستأجر الجديد محدودة بواقع “غير محمي”. بالطبع، إذا كان المستأجر ينطبق عليه تعريف “المستأجر المحمي”، فإن الشرط الذي ينفي تطبيق أحكام القانون لن يُفيد المؤجر. لكن يكاد لا يوجد مثل هؤلاء المستأجرون، ولهذا ينفي المؤجرون تطبيق أحكام القانون كمسألة روتينية، حتى إنهم في بعض الأحيان لا يعرفون السبب.